تُعد "السلفية الجامية" أو التيار الجامي أحد أبرز التيارات السلفية التي توالي الحكام، موالاة كبيرة، وفق مبدأ السمع والطاعة لولي الأمر، ولعل البيئة الأولى التي ظهور فيها التيار، وهي "المملكة العربية
السعودية" ما أضفى على المذهب السلفي قوة انتشار وجذورًا يستند إليها في نشر أفكاره وأهدافه.
وكانت أفكار السلفية الحركية والتيار الجامي من أبرز التيارات الدينية الموجودة في السعودية ولا تزال، وربما يرجع ميل السلطة في المملكة السعودية إلى التيار الجامي، هو ما دفع ولي العهد (الراحل) الأمير نايف بن عبدالعزيز إلى إعلان أن الدولة السعودية سلفية في إشارة إلى السلفية "الجامية"، وذلك خلال مؤتمر علمي أقيم في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حول السلفية.
ومن أبرز ملامح التيار الجامي رفضه الحزبية وكل ما يتعلق بأشكال الديمقراطية، وكذا السمع والطاعة لولي الأمر، وتحريم كل أشكال الخروج على الحاكم، وكانت عدد من التقارير أشارت، إلى أن أول ظهور لهذا التيار كان في أعقاب غزو العراق لدولة الكويت، بعدما أجاز بعض علماء المملكة بينهم الداعية عبدالعزيز بن باز الاستعانة بغير المسلمين لدفع المعتدي ولحماية الدين، ما انتقده الكثير من الأحزاب، فما كان من الشيخ محمد أمان الجامي، أحد أبرز علماء المملكة وقتذاك، إلا الرد على تلك الأحزاب والجماعات التي رفضت هذه الفتوى.
ولعب التيار الجامي في مصر دوراً بارزاً في انتقاد جماعة الإخوان إبان فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، الذي يحاكم حالياً أمام القضاء بتهم عديدة بينها التخابر مع دول أجنبية، وقتل والتحريض على قتل المتظاهرين السلميين، وايد ما حدث في 30 يونيو من الناحية الشرعية، حيث أكد الداعية السلفي محمد سعيد رسلان، أحد أبرز رموز التيار المداخلي في مصر أن من بين تولي الحكم هو من غلب بسيفه، وهو ينطبق على قام به الجيش من عزل مرسي وتنصيب رئيس أخر غيره.
كما أفتى رسلان بعدم صحة دفع الديات الشرعية في قتلى فض اعتصامي "رابعة العدوية" و"النهضة" كون المشاركين من البغاة الخارجين على الحاكم، كما لعب رسلان دورًا مهمًا في توصيف ما دعت له "الجبهة السلفية" في التظاهر ضد النظام في 28 نوفمبر الماضي، تحت مسمى "انتفاضة الشباب المسلم"، حيث قال إنها من أشكال الخروج على الحاكم، ومن أفعال الخوارج.
البدايات الأولى للتيار الجامي، كما أوضحنا كانت رسمياً في المدينة المنورة، مع بداية حرب الخليج، حيث غزو العراق لدولة الكويت، عام 1990، وكان مؤسس التيار هو محمد بن أمان الجامي، حبشي المولود، ولد في (1930 – 1995)، حيث تعلَّم فيها وحفظ القرآن في نشأته وبعض علوم العربية والفقه ثم خرج من الحبشة إلى الصومال ثم إلى اليمن ومن هناك إلى مكة، وكان مذهبه هو الشافعية، وعمل الجامي مدرساً في الجامعة الإسلامية، في قسم العقيدة.
شارك في وضع فكر الجامية ربيع بن هادي المدخلي، وهو مدرس في الجامعة في كلية الحديث وأصله من منطقة جازان، وتقول تقارير صحافية أن الظهور العلني للتيار الجامي كان في 1990 أعقاب حرب الخليج، وتمثلت البدايات الأولى للتيار كفكر مضاد للمشايخ الذين استنكروا دخول القوات الأجنبية إلى الكويت لتحريرها.
ونشط التيار تحديداً في الفترة التي أعقبت الحرب إثر بروز دعاة الصحوة في السعودية مثل سفر الحوالي وسلمان العودة، الذين عارضوا دخول قوات أجنبية لتحرير الكويت، وانتشرت الجماعة فصار لها أتباع، ورموز في الخليج العربي واليمن ومصر والأردن والجزائر وكذلك لهم امتداد بين المسلمين في أوروبا.
وفي وقتٍ يرفض فيه الدعاة والعلماء المنسوبون إلى "الجامية" هذه التسمية ويعتبرونها من التنابز بالألقاب، فيقول أتباع تلك السلفية: "بعض الناس يلمزون السلفيين أهل الحديث والأثر بالجامية وأن هذه التسمية لا حقيقة لها وما هي إلا لمز قصدوا به التشويش والتنفير، وقد لمزوا من قبله السلفيين بالبازية نسبة إلى الشيخ عبدالعزيز ابن باز أو العثيمينية نسبة إلى الشيخ ابن عثيمين ، والجامية نسبة إلى الشيخ محمد أمان الجامي".
وتؤكد التقارير الصحافية أن السلفية الجامية برزت بشكل كبير أثناء تواجد قوات الاجنبية على الأراضي السعودية بعد احتلال الكويت، ففي الوقت الذي تنامت فيه شهرة رموز الصحوة الإسلامية السعودية، الذين عارضوا بقوة التواجد التدخل الاجنبي لتحرير الكويت من غزو العراق، حيث انتشرت قضية "عدم جواز الاستعانة بالمشركين في تحرير الأرض".
ولعل الظهور الأول للسلفية الجامية في المدينة، على يد الراحل محمد أمان الجامي، المدرس بالمسجد النبوي وأستاذ العقيدة في الجامعة الإسلامية بالمدينة، قبل احتلال الكويت بسنتين، حددها البعض بعام 1988، عزز من إطلاق اسم سلفية المدينة عليها، حيث بدأت السلفية الجامية بالتركيز على طاعة أولي الأمر والولاء لهم والانقياد التام لرغبة أولي الأمر في غير معصية.
وتقول بعض المصادر أن سبب إطلاق هذا الاسم عليهم، هو أن الشيخ محمد أمان وإخوانه تكاتفوا في الرد على بعض الحركيين والحزبيين ومن تابعهم بعد اعتراضهم على الأئمة عبدالعزيز بن باز، والإمام محمد بن عثيمين، وصالح الفوزان ، الذين أباحوا الاستعانة بالقوات الأمريكية من باب الضرورة.
ملمح جديد عن نشأة السلفية الجامية، حيث قالت تقارير صحافية إن أسباب ظهور الجامية، هو الوضع الاجتماعي لعدد من شرائح المجتمع السعودي المهمشة، واعتبر التيار نفسه الممثل الحقيقي لتعاليم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولهذا مارس أصحابه نقداً لعلماء المركز الذين كانوا رمزاً للنفوذ الاجتماعي، إلا أن اللافت للنظر أن التيار الجامي ليس بينه أي ارتباطات تنظيمية، كما لا توجد له زعامة موحدة بل زعامات كثيرة متنوعة، يجتمعون في بعض المسائل، ويفترقون أحياناُ، إلى درجة القطيعة.
أبرز ملامح التيار الجامي:
وحدد عدد من المراقبين ملامح للتيار السلفي الجامي، اعتبرها البعض من أشكال النقد لتلك المدرسة السلفية، وكان من بين تلك الملامح:
- التيار الجامي، هو تيار يجمع تشابه المنهج في التعامل مع المخالف، حيث يزعم احتكار التسمية بالسنة والسلفية.
- السعي الدائم إلى تهميش وإنكار بقية التيارات والجماعات السلفية الأخرى، فضلاً عن الجماعات الإسلامية خارج الإطار السلفي، وتحديداً جماعة "الإخوان" التي أدرجتها الحكومة المصرية تنظيماً إرهابياً.
- رفض العمل السياسي والحزبي والانتخابات.
- الولاء المطلق والسمع والطاعة لولي الأمر وعدم الخروج عليه وتحريم الثورات والمظاهرات والعمل السياسي العام ضد النظام الحاكم.
- معادات التيارات الإسلامية الحركية (الجهادية)، فضلاً عن المحافظة مثل (الإخوان).
- عدم إعذار المفكرين والإصلاحيين في الخطأ أو تأويل في الوقت الذي يختلقون الأعذار للحكام.
- سعوا إلى الوشاية على الدعاة ورفع التقارير فيهم للحكام.
- الشدة على المخالف والتحذير منه علناً وإظهار البراءة من أخطائه وتصرفاته.
المرتكزات الفكرية للتيار الجامي:
وقد حدد عدد من المراقبين نقاط يمكن إجمالها بأنها من مرتكزات التيار الجامي الفكرية، والتي كان من بينها
- السعي إلى إسقاط المخالف ودحض حججه الفقهية، خاصة من الدعاة أصحاب الصحوة الإسلامية الذين تأثروا بفكر الإخوان، مثل محمد العريفي، وسلمان العودة، وسفر الحوالي، فضلًا عن الهجوم المستمر على قيادات جماعة الإخوان الروحية، بينهم حسن البنا وسيد قطب، والقرضاوي، ومن دعاة السلفية العملية مثل أبو إسحاق الحويني ومحمد حسان وعدنان عرعور.
- الطاعة المطلقة لولي الأمر في غير معصية لله.
- تحريم التظاهرات والاعتصامات والإضرابات، بل اعتبرها أحد قياداتهم وهو الشيخ صالح السحيمي، من مبادئ اليهودية الماسونية.
- اعتبار النصيحة للنظام الحاكم خروجا على ولي الأمر.
- الإفتاء بحرمة الخروج على الحاكم، ووجوب قتل الخارجين على الحاكم حفاظا على النظام العام.
- الموالاة والمعاداة على مسائل اجتهادية، ويعتبرونها مناطات للانتساب والخروج من السلفية، مثل: حكم الانتخابات والمظاهرات والأناشيد.
- اعتبار منهج السلف مصدرًا من مصادر التشريع.
- نشر ثقافة إعطاء الأنظمة الحاكمة الصلاحيات المطلقة في الاختصاص، في الداخل والخارج والعلاقات الدولية والتصرف في المال العام.
- اعتبار من يعارض الحاكم أو يناقشه من الخوارج.
- عدم الدعوة إلى جهاد، تحت ذريعة أن المسلمون اليوم ضعفاء بالنسبة للعدو من جهة العدة والعتاد، فيقولون إن العدو هو من يصنع الأسلحة والمحتكر لها.
- يرون شرعية الجهاد الصحيح وبشروطه المعتبرة، وهي أن يكون المرء على قدرة وبإذن ولي الأمر.
انتقادات الجهاديين للتيار الجامي:
دخل التيار الجامي في سجالات فكرية عنيفة مع العديد من التيارات الدينية خاصة الجهادية منها والإخوانية، ففي حين يعتبر الجهاديون أن الجاميين مجموعة من الموالين لحكام بلادهم، حيث اطلقوا عليهم "علماء السلاطينن" ويقول بعض الجهادين عنهم: "هم خوارج مارقون مع الدعاة مرجئة مع الطواغيت".
وفي موضع اخر يقول البعض عنهم إنهم شرار الخلق، انطلقوا إلى آيات نزلت في غير المسلمين فجعلوها على المؤمنين، فيما قال علماء الجامية، إن الكثير من قادة الجهاد مختلي العقيدة ومتورطون مع قوى أجنبية، الامر الذي قال عنه القيادي الجهادي عبدالله عزام انه تسبب في توقف الجهاد في كثير من الأوقات، خاصة في أفغانستان، حيث انصرف الناس عن الجهاد في ذلك الوقت بفضل هذه الحجج.
التيار الجامي في عمومه انتقد بقوة قادة المجاهدين الأفغان، وقادة المجاهدين العرب، والمجاهدين عامة الذين يقاتلون الأمريكان في أفغانستان والعراق.
الانتقادات للتيار الجامي:
يمكن إجمال الانتقادات الموجهة للتيار الجامي في نقاط منها:
- الوشاية بالعلماء عند الحكام وولاة الأمور، واعتبار ذلك تقربًا إلى الله.
- بذاءة اللسان، والفحش مع المخالف، والفجور في الخصومة، ولو كان من العلماء ورموز العمل الإسلامي.
- محاولة التقرب من الأئمة، لإظهار للعامة أصالة علمهم، وقبول العلماء لفرقتهم.
موقف الجامية من ثورات الربيع العربي:
وبرز دور التيار المداخلي بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، حيث حرم ذلك التيار كل الأحداث التي وقعت منذ احداث الثورة التونسية وحتى الاحداث التي لا تزال تجري حالياً في سورية، وقالت إنها أحداث أدت إلى مزيد من القتل وسفك الدماء، فضلا عن خراب الديار والبلاد.
يُـــــتبع ....
المفضلات