07-05-2019, 03:08 AM
#116
Administrator
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jun 2016
المشاركات: 1,382
التقييم: 10
(مسألة أخرى من هذا الباب) إنما صحت الصورة لآدم لخلقه باليدين فاجتمع فيه حقائق العالم بأسره والعالم يطلب الأسماء الإلهية فقد اجتمع فيه الأسماء الإلهية ولهذا خص آدم عليه السلام بعلم الأسماء كلها التي لها توجه إلى العالم .
ولم يكن ذلك العلم أعطاه الله للملائكة وهم العالم الأعلى الأشرف قال الله عز وجل وعلم آدم الأسماء كلها ولم يقل بعضها .
وقال عرضهم ولم يقل عرضها فدل على أنه عرض المسمين لا الأسماء .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم غيبك فإن كان هذا الدعاء دعا به قبل نزول سورة البقرة عليه فلا معارضة بين الخبر والآية عند من يقول بأن الأسماء هنا هي الأسماء الإلهية فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن له علم بما خص الله به آدم على الملائكة .
كما قال صلى الله عليه وسلم ما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى به إلي وإن كان دعا به بعد نزول سورة البقرة فيكون يريد قوله كلها الأسماء الإلهية التي تطلب الآثار في العالم وما تعبد به من أسماء التنزيه والتقديس .
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة فأحمد ربي بمحامد يعلمنيها الله لا أعلمها الآن مع قوله في حديث الضربة فعلمت علم الأولين والآخرين ومن علم الأولين علم الأسماء التي علمها الله آدم وربما يكون من علم الآخرين علم هذه المحامد التي يحمد بها ربه يوم القيامة .
(مسألة أخرى من هذا الباب) إنما كانت الخلافة لآدم عليه السلام دون غيره من أجناس العالم لكون الله تعالى خلقه على صورته فالخليفة لا بد أن يظهر فيما استخلف عليه بصورة مستخلفه وإلا فليس بخليفة له فيهم فأعطاه الأمر والنهي وسماه بالخليفة وجعل البيعة له بالسمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر وأمر الله سبحانه عباده بالطاعة لله ولرسوله والطاعة لأولي الأمر منهم فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرسالة والخلافة كداود عليه السلام فإن الله نص على خلافته عن الله بقوله تعالى فاحكم بين الناس بالحق وأجمل خلافة آدم عليه السلام وما كل رسول خليفة فمن أمر ونهى وعاقب وعفا وأمر الله بطاعته وجمعت له هذه الصفات كان خليفة ومن بلغ أمر الله ونهيه ولم يكن له من نفسه إذن من الله تعالى أن يأمر وينهى فهو رسول يبلغ رسالات ربه وبهذا بان لك الفرقان بين الرسول والخليفة ولهذا جاء بالألف واللام في قوله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله .
وقال عز وجل يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله أي فيما أمركم به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم مما قال فيه صلى الله عليه وسلم إن الله يأمركم وهو كل أمر جاء في كتاب الله تعالى ثم قال وأطيعوا الرسول ففصل أمر طاعة الله من طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فلو كان يعني بذلك ما بلغ إلينا من أمر الله تعالى لم تكن ثم فائدة زائدة فلا بد أن يوليه رتبة الأمر والنهي فيأمر وينهى فنحن مأمورون بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله بأمره .
وقال تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله وطاعتنا له فيما أمر به صلى الله عليه وسلم ونهى عنه مما لم يقل هو من عند الله فيكون قرآنا .
قال الله عز وجل وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فأضاف النهي إليه صلى الله عليه وسلم فأتى بالألف واللام في الرسول يريد بهما التعريف والعهد أي الرسول الذي استخلفناه عنا فجعلنا له أن يأمر وينهى زائدا على تبليغ أمرنا ونهينا إلى عبادنا .
ثم قال تعالى في الآية عينها وأولي الأمر منكم أي إذا ولي عليكم خليفة عن رسولي أو وليتموه من عندكم كما شرع لكم فاسمعوا له وأطيعوا ولو كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف فإن في طاعتكم إياه طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا لم يستأنف في أولي الأمر أطيعوا واكتفى بقوله أطيعوا الرسول ولم يكتف بقوله أطيعوا الله عن قوله أطيعوا الرسول ففصل لكونه تعالى ليس كمثله شئ .
واستأنف القول بقوله وأطيعوا الرسول فهذا دليل على أنه تعالى قد شرع له صلى الله عليه وسلم أن يأمر وينهى وليس لأولي الأمر أن يشرعوا شريعة إنما لهم الأمر والنهي فيما هو مباح لهم ولنا فإذا أمرونا بمباح أو نهونا عن مباح وأطعناهم في ذلك أجرنا في ذلك أجر من أطاع الله فيما أوجبه عليه من أمر ونهي وهذا من كرم الله بنا ولا يشعر بذلك أهل الغفلة منا .
(مسألة أخرى من هذا الباب) إنما أمرت الملائكة والخلق أجمعون بالسجود وجعل معه القربة فقال واسجد واقترب .
وقال صلى الله عليه وسلم أقرب ما يكون العبد من الله في سجوده ليعلموا أن الحق في نسبة الفوق إليه من قوله وهو القاهر فوق عباده ويخافون ربهم من فوقهم كنسبة التحت إليه فإن السجود طلب السفل بوجهه كما إن القيام يطلب الفوق إذا رفع وجهه بالدعاء ويديه وقد جعل الله السجود حالة القرب من الله فلم يقيده سبحانه الفوق عن التحت ولا التحت عن الفوق فإنه خالق الفوق والتحت كما لم يقيده الاستواء على العرش عن النزول إلى السماء الدنيا ولم يقيده النزول إلى السماء الدنيا عن الاستواء على العرش كما لم يقيده سبحانه الاستواء والنزول عن أن يكون معنا أينما كنا كما قال تعالى :
وهو معكم أينما كنتم بالمعنى الذي يليق به وعلى الوجه الذي أراده .
كما قال أيضا ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي كما قال عنه هود عليه السلام ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها وقال تعالى أيضا في حق الميت ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فنسب القرب إليه من الميت وقال أيضا عز وجل ونحن أقرب إليه من حبل الوريد يعني الإنسان مع قوله ليس كمثله شئ وهو السميع البصير .
(مسألة دورية من هذا الباب وهذه صورتها) إنما قلنا اختلفت الشرائع لاختلاف النسب الإلهية لأنه لو كانت النسبة الإلهية لتحليل أمر ما في الشرع كالنسبة لتحريم ذلك الأمر عينه في الشرع لما صح تغيير الحكم وقد ثبت تغيير الحكم ولما صح أيضا قوله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وقد صح أن لكل أمة شرعة ومنهاجا جاءها بذلك نبيها ورسولها فنسخ وأثبت فعلمنا بالقطع أن نسبته تعالى فيما شرعه إلى محمد صلى الله عليه وسلم خلاف نسبته إلى نبي آخر وإلا لو كانت النسبة واحدة من كل وجه وهي الموجبة للتشريع الخاص لكان الشرع واحدا من كل وجه .
فإن قيل فلم اختلفت النسب الإلهية قلنا لاختلاف الأحوال فمن حاله المرض يدعو يا معافي ويا شافي ومن حاله الجوع يقول يا رزاق ومن حاله الغرق يقول يا مغيث فاختلفت النسب لاختلاف الأحوال وهو قوله كل يوم هو في شأن و سنفرغ لكم أيها الثقلان وقوله صلى الله عليه وسلم لما وصف ربه تعالى بيده الميزان يخفض ويرفع فلحالة الوزن قيل فيه الخافض الرافع فظهرت هذه النسب فهكذا في اختلاف أحوال الخلق .
وقولنا إنما اختلفت الأحوال لاختلاف الأزمان فإن اختلاف أحوال الخلق سببها اختلاف الأزمان عليها فحالها في زمان الربيع يخالف حالها في زمان الصيف وحالها في زمان الصيف يخالف حالها في زمان الخريف وحالها في زمان الخريف يخالف حالها في زمان الشتاء وحالها في زمان الشتاء يخالف حالها في زمان الربيع يقول بعض العلماء بما تفعله الأزمان في الأجسام الطبيعية تعرضوا لهواء زمان الربيع فإنه يفعل في أبدانكم ما يفعل في أشجاركم وتحفظوا من هواء زمان الخريف فإنه يفعل في أبدانكم كما يفعل في أشجاركم وقد نص الله تعالى على إننا من جملة نبات الأرض فقال والله أنبتكم من الأرض نباتا أراد فنبتم نباتا لأن مصدر أنبتكم إنما هو إنباتا كما قال في نسبة التكوين إلى نفس المأمور به فقال تعالى إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون فجعل التكوين إليه كذلك نسب ظهور النبات إلى النبات فافهم فلذلك قلنا إنما اختلفت الأحوال لاختلاف الأزمان وأما قولنا إنما اختلفت الأزمان لاختلاف الحركات فأعني بالحركات الحركات الفلكية فإنه باختلاف الحركات الفلكية حدث زمان الليل والنهار وتعينت السنون والشهور والفصول وهذه المعبر عنها بالأزمان وقولنا اختلفت الحركات لاختلاف التوجهات أريد بذلك توجه الحق عليها بالإيجاد لقوله تعالى إنما قولنا لشئ إذا أردناه فلو كان التوجه واحدا عليها لما اختلفت الحركات وهي مختلفة فدل إن التوجه الذي حرك القمر في فلكه ما هو التوجه الذي حرك الشمس ولا غيرها من الكواكب والأفلاك ولو لم يكن الأمر كذلك لكانت السرعة أو الإبطاء في الكل على السواء .
قال تعالى كل في فلك يسبحون فلكل حركة توجه إلهي أي تعلق خاص من كونه مريدا وقولنا إنما اختلفت التوجهات لاختلاف المقاصد فلو كان قصد الحركة القمرية بذلك التوجه عين قصد الحركة الشمسية بذلك التوجه لم يتميز أثر عن أثر والآثار بلا شك مختلفة فالتوجهات مختلفة لاختلاف المقاصد فتوجهه بالرضى عن زيد غير توجهه بالغضب على عمرو فإنه قصد تعذيب عمرو وقصد تنعيم زيد فاختلفت المقاصد وقولنا إنما اختلفت المقاصد لاختلاف التجليات فإن التجليات لو كانت في صورة واحدة من جميع الوجوه لم يصح أن يكون لها سوى قصد واحد وقد ثبت اختلاف القصد فلا بد أن يكون لكل قصد خاص تجل خاص ما هو عين التجلي للآخر فإن الاتساع الإلهي يعطي أن لا يتكرر شئ في الوجود وهو الذي عولت عليه الطائفة والناس في لبس من خلق جديد .
يقول الشيخ أبو طالب المكي صاحب قوت القلوب وغيره من رجال الله عز وجل إن الله سبحانه ما تجلى قط في صورة واحدة لشخصين ولا في صورة واحدة مرتين ولهذا اختلفت الآثار في العالم وكني عنها بالرضى والغضب .
وقولنا إنما اختلفت التجليات لاختلاف الشرائع فإن كل شريعة طريق موصلة إليه سبحانه وهي مختلفة فلا بد أن تختلف التجليات كما تختلف العطايا ألا تراه عز وجل إذا تجلى لهذه الأمة في القيامة وفيها منافقوها وقد اختلف نظرهم في الشريعة فصار كل مجتهد على شرع خاص هو طريقه إلى الله ولهذا اختلفت المذاهب وكل شرع في شريعة واحدة والله قد قرر ذلك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم عندنا فاختلفت التجليات بلا شك فإن كل طائفة قد اعتقدت في الله أمرا ما إن تجلى لها في خلافه أنكرته فإذا تحول لها في العلامة التي قد قررتها تلك الطائفة مع الله في نفسها أقرت به فإذا تجلى للأشعري في صورة اعتقاد من يخالفه في عقده في الله وتجلى للمخالف في صورة اعتقاد الأشعري مثلا أنكره كل واحد من الطائفتين كما ورد وهكذا في جميع الطوائف فإذا تجلى لكل طائفة في صورة اعتقادها فيه تعالى وهي العلامة التي ذكرها مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقروا له بأنه ربهم وهو هو لم يكن غيره فاختلفت التجليات لاختلاف الشرائع .
وقولنا إنما اختلفت الشرائع لاختلاف النسب الإلهية قد تقدم ودار الدور فكل شئ أخذته من هذه المسائل صلح أن يكون أولا وآخرا ووسطا وهكذا كل أمر دوري يقبل كل جزء منه بالفرض الأولية والآخرية وما بينهما وقد ذكرنا مثل هذا الشكل الدوري في التدبيرات الإلهية مضاهيا لقول المتقدم إذ قال العالم بستان سياجة الدولة الدولة سلطان تحجبه السنة السنة سياسة يسوسها الملك الملك راع يعضده الجيش الجيش أعوان يكفلهم المال المال رزق يجمعه الرعية الرعية عبيد تعبدهم العدل العدل مألوف فيه صلاح العالم العالم بستان ودار الدور ويكفي هذا القدر من الإيماء إلى العلل والأسباب مخافة التطويل فإن هذا الباب واسع جدا إذ كان العالم كله مرتبطا بعضه ببعض أسباب ومسببات وعلل ومعلولات والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى الجزء الخامس والعشرون .
لا اله الا الله محمد رسول الله
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
RSS RSS 2.0 XML MAP
html PHP
info tags Maps maptags vbmaps
المفضلات