Administrator
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jun 2016
المشاركات: 1,350
التقييم: 10
الفصل الثالث في العلم والعالم والمعلوم
الفصل الثالث في العلم والعالم والمعلوم من الباب الثاني
العلم والمعلوم والعالم * ثلاثة حكمهمو واحد
وإن تشأ أحكامهم مثلهم * ثلاثة أثبتها الشاهد
وصاحب الغيب يرى واحدا * ليس عليه في العلى زائد
اعلم أيدك الله أن العلم تحصيل القلب أمرا ما على حد ما هو عليه ذلك في نفسه معدوما كان ذلك الأمر أو موجودا .
فالعلم هو الصفة التي توجب التحصيل من القلب والعالم هو القلب والمعلوم هو ذلك الأمر المحصل وتصور حقيقة العلم عسير جدا ولكن أمهد لتحصيل العلم ما يتبين به إن شاء الله تعالى .
فاعلموا إن القلب مرآة مصقولة كلها وجه لا تصدأ أبدا فإن أطلق يوما عليها أنها صدئت كما قال عليه السلام إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد الحديث وفيه إن جلاءها ذكر الله وتلاوة القرآن .
ولكن من كونه الذكر الحكيم فليس المراد بهذا الصدأ أنه طخاء طلع على وجه القلب ولكنه لما تعلق واشتغل بعلم الأسباب عن العلم بالله كان تعلقه بغير الله صدأ على وجه القلب لأنه المانع من تجلى الحق إلى هذا القلب لأن الحضرة الإلهية متجلاة على الدوام لا يتصور في حقها حجاب عنا فلما لم يقبلها هذا القلب من جهة الخطاب الشرعي المحمود لأنه قبل غيرها عبر عن قبول ذلك الغير بالصدأ والكن والقفل والعمي والران وغير ذلك وإلا فالحق يعطيك أن العلم عنده ولكن بغير الله في علمه .
وهو بالله في نفس الأمر عند العلماء بالله ومما يؤيد ما قلناه قول الله تعالى :
وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه فكانت في أكنة مما يدعوها الرسول إليه خاصة لا أنها في كن ولكن تعلقت بغير ما تدعى إليه فعميت عن إدراك ما دعيت إليه فلا تبصر شيئا والقلوب أبدا لم تزل مفطورة على الجلاء مصقولة صافية فكل قلب تجلت فيه الحضرة الإلهية من حيث هي ياقوت أحمر الذي هو التجلي الذاتي فذلك قلب المشاهد المكمل العالم الذي لا أحد فوقه في تجل من التجليات .
ودونه تجلي الصفات ودونهما تجلي الأفعال ولكن من كونها من الحضرة الإلهية ومن لم تتجل له من كونها من الحضرة الإلهية فذلك هو القلب الغافل عن الله تعالى المطرود من قرب الله تعالى .
فانظر وفقك الله في القلب على حد ما ذكرناه وانظر هل تجعله العلم فلا يصح وإن قلت الصقالة الذاتية له فلا سبيل ولكن هي سبب كما إن ظهور المعلوم للقلب سبب وإن قلت السبب الذي يحصل المعلوم في القلب فلا سبيل .
وإن قلت المثال المنطبع في النفس من المعلوم وهو تصور المعلوم فلا سبيل .
فإن قيل لك فما هو العلم ؟ فقل :
درك المدرَك على ما هو عليه في نفسه إذا كان دركه غير ممتنع .
وأما ما يمتنع دركه فالعلم به هو لا دركه .
كما قال الصديق العجز عن درك الإدراك إدراك فجعل العلم بالله هو لا دركه فاعلم ذلك .
ولكن لا دركه من جهة كسب العقل كما يعلمه غيره ولكن دركه من جوده وكرمه ووهبه كما يعرفه العارفون أهل الشهود لا من قوة العقل من حيث نظره .
(تتميم) ولما ثبت أن العلم بأمر ما لا يكون إلا بمعرفة قد تقدمت قبل هذه المعرفة بأمر آخر يكون بين المعروفين مناسبة لا بد من ذلك وقد ثبت أنه لا مناسبة بين الله تعالى وبين خلقه من جهة المناسبة التي بين الأشياء وهي مناسبة الجنس أو النوع أو الشخص فليس لنا علم متقدم بشئ فندرك به ذات الحق لما بينهما من المناسبة .
مثال ذلك علمنا بطبيعة الأفلاك التي هي طبيعة خامسة لم نعلمها أصلا لولا ما سبق علمنا بالأمهات الأربع فلما رأينا الأفلاك خارجة عن هذه الطبائع بحكم ليس هو في هذه الأمهات علمنا إن ثم طبيعة خامسة من جهة الحركة العلوية التي في الأثير والهواء والسفلية التي في الماء والتراب والمناسبة بين الأفلاك والأمهات الجوهرية التي هي جنس جامع للكل والنوعية فإنها نوع كما أن هذه نوع لجنس واحد وكذلك الشخصية ولو لم يكن هذا التناسب لما علمنا من الطبائع علم طبيعة الفلك وليس بين الباري والعالم مناسبة من هذه الوجوه فلا يعلم بعلم سابق بغيره أبدا كما يزعم بعضهم من استدلال الشاهد على الغائب بالعلم والإرادة والكلام وغير ذلك ثم يقدسه بعد ما قد حمله على نفسه وقاسه بها ثم إنه مما يؤيد ما ذهبنا إليه من علمنا بالله تعالى أن العلم يترتب بحسب المعلوم وينفصل في ذاته بحسب انفصال المعلوم عن غيره والشئ الذي به ينفصل المعلوم إما أن يكون ذاتا كالعقل من جهة جوهريته وكالنفس وإما أن يكون ذاتا من جهة طبعه كالحرارة والإحراق للنار .
فكما انفصل العقل عن النفس من جهة جوهريته كذلك انفصل النار عن غيره بما ذكرناه .
وإما أن ينفصل عنه بذاته لكن بما هو محمول فيه إما :
- بالحال كجلوس الجالس وكتابة الكاتب .
- وإما بالهيئة كسواد الأسود وبياض الأبيض وهذا حصر مدارك العقل عند العقلاء فلا يوجد معلوم قطعا للعقل من حيث ما هو خارج عما وصفنا إلا بأن نعلم ما انفصل به عن غيره إما من جهة جوهره أو طبعه أو حاله أو هيأته ولا يدرك العقل شيئا لا توجد فيه هذه الأشياء البتة وهذه الأشياء لا توجد في الله تعالى فلا يعلمه العقل أصلا من حيث هو ناظر وباحث .
وكيف يعلمه العقل من حيث نظره وبرهانه الذي يستند إليه الحس أو الضرورة أو التجربة والباري تعالى غير مدرَك بهذه الأصول التي يرجع إليها العقل في برهانه وحينئذ يصح له البرهان الوجودي فكيف يدعي العاقل أنه قد علم ربه من جهة الدليل وأن الباري معلوم له ولو نظر إلى المفعولات الصناعية والطبيعية والتكوينية والانبعاثية والإبداعية ورأى جهل كل واحد منها بفاعله لعلم أن الله تعالى لا يُعلم بالدليل أبدا لكن يُعلم أنه موجود وأن العالم مفتقر إليه افتقارا ذاتيا لا محيص له عنه ألبتة .
قال الله تعالى يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد فمن أراد أن يعرف لباب التوحيد فلينظر في الآيات الواردة في التوحيد من الكتاب العزيز الذي وحّد بها نفسه فلا أحد أعرف من الشئ بنفسه فلتنظر بما وصف نفسه وتسأل الله تعالى أن يفهمك ذلك فستقف علم إلهي لا يبلغ إليه عقل بفكره أبد الآباد .
وسأورد من هذه الآيات في الباب الذي يلي هذا الباب شيئا يسيرا والله يرزقنا الفهم عنه آمين ويجعلنا من العالمين الذين يعقلون آياته .
لا اله الا الله محمد رسول الله
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
RSS RSS 2.0 XML MAP
html PHP
info tags Maps maptags vbmaps
المفضلات